أرسلت لي شابة محبطة تقول: "دكتور جلبي... أنت كسرت أصفادك وأغلالك وحلقت... وأغلال عقل كل منا بيديه مفاتيحها، لكن من ليست بعض أغلاله بيديه، كما هو الأمر بالنسبة لي وكثير من الإناث غيري، كيف يكسرها؟ لأضمن ليس فقط تحليقا عقليا وإنما كليا... جزيت خيراً". وجوابي عليها أولاً من قصة الفاروق عمر، وسبب إسلامه امرأة. يروون عن إسلام عمر ثلاث روايات، دفعت كل واحدة منهن الأخرى، حتى استسلم لوهج الإيمان؛ وشرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، وتحول من عمر الجاهلية، إلى محطم عروش الظلم، ومحرر منطقة الشرق الأوسط من الأوثان، والأهم أن اسمه في التاريخ أخذ لقب الفاروق العادل، وقد أورده "مايكل هاردت" في كتابه عن الشخصيات المائة الأهم في التاريخ الإنساني. كانت الحادثة الأولى في آيات سمعها من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد أراد تخويفه فاختبأ في أستار الكعبة، ثم تسلل والرسول يصلي فأنصت للذكر الحكيم، وقال أهو شاعر؟ وإذا بالآية تجيبه: "وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون". ردد عمر في نفسه هو بالتأكيد كاهن مأفون! وإذا بالآية تجيبه: وما هو بقول كاهن قليلاً ما تذكرون". صدم عمر وتأثر، وتتابعت الآيات من سورة الحاقة، تصعق وتحرق وتخرق: "تنزيل من رب العالمين. ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين. وإنه لتذكرة للمتقين. وإنا لنعلم أن منكم مكذبين. وإنه لحسرة على الكافرين. وإنه لحق اليقين. فسبح باسم ربك العظيم...". وتتعلق الحادثة الثانية بتأثره من منظر امرأة تهاجر مع زوجها فراراً بدينها من قريش. سألها عمر إلى أين أنت ماضية يا أمة الله؟ قالت آذيتمونا فنفر بديننا منكم. تأثر عمر وغص بريقه، إذ يكتشف نفسه أنه مع فريق الظالمين ضد المستضعفين... أما الحادثة الثالثة، وكانت الخاتمة التي دفعته لأحضان الإسلام، فكانت واقعة ضرب أخته فاطمة، فقد ذهب يوماً لا يعرف كيف يمضي وقته، والجاهلية كانت شعراً وخمراً وحرباً، فرأى رجلاً مسلماً فتعرض له بالأذى، فقال له: قبل أن تقترب مني اذهب لأختك فأصلح شأنها فقد أسلمت. فجُنّ عمر وانطلق على وجهه لا يلوي على شيء! اقتحم المنزل، فإذا بصهره وأخته في أيديهما صفحة يقرؤون منها القرآن، هجم على الصهر، واعتلى صدره مع اللكمات، لكن أخته خاطبته: يا عدو الله افعل ما تشاء فقد أسلمنا. بعد أن هدأت ثورته قال: أعطياني ما بأيديكما أقرأه، فأعطياه وقد أرادا له أن لا يحارب عن جهل. قرأ عمر فذهل من التنزيل، فنزلت عبراته وأسلم على يدي هذه المرأة الباسلة... إن دور المرأة في الإسلام كان ريادياً؛ فأول من أسلم امرأة. وأول من قتل في سبيل الله امرأة. ومن كان سببا في إسلام الفاروق كانت امرأة. الأولى خديجة، والثانية سمية، والثالثة فاطمة. وعندما تقول لي المرأة الشابة إن أغلالها بيد غيرها؛ أقول إن القرآن جاء ليضع عنهن إصرهن والأغلال التي كانت عليهن. وأن الشيطان ليس له سلطان إلا على الذين يتولونه والذين هم به مشركون. وأن الاستعداد لقبول الظلم هو الذي ينبت الظالمين. وأن أميركا طيرت صدام، لكن نبت من ريشه ألف صدام وصدام. وأول سورة نزلت من القرآن تتحدث عن الطغيان، فك شفرتها بنصف آية توجِّهنا إلى أن كسر الطغيان يتم بعدم طاعته. وهو قانون تغيير النفوس والمجتمعات وأنه ليس من أحد له سلطان علينا، إلا بقدر ما نعطيه نحن هذا الحق. وحين تجري الانتخابات الكاذبة المزورة، يمكن للناس أن يكسروا التزوير، لكنهم سكارى، وقد استرهبهم "السحرة" وجاءوا بسحر عظيم.